حركة القومية الهندوسية (1)

وكيف غيرت الحياة السياسية الهندية وهمّشت المسلمين

د. ظفرالإسلام خان

 

الهِندُوتوا (القومية الهندوسية) حركة سياسية بدأت قبل نحو قرن بهدف تحقيق حاكمية الهندوس المطلقة فى الهند. وقامت هذه الحركة ببث دعايات مكثفة ودعاوى كاذبة منذ حقب طويلة جعلت الغالبية الهندوسية تظن أن حقوقها مهضومة فى بلدها وأن الأقليات قد استحوذت على كل الفرص والخيرات وأن ديانتها وثقافتها وحتى وجودها فى خطر وخصوصا من قبل مسلمى الهند الذين لا تتجاوز أعدادهم عن 180 مليون نسمة أمام 900 مليون هندوسي. وتشن هذه الحركة حربا مستمرة على مسلمى الهند ومسيحييها باعتبارهم خطرا على أمن وهوية الهند الأصلية.

وقد استغلت هذه الحركة قضية بناء معبد هندوسي مكان المسجد البابري فى بلدة ايودهيا منذ منتصف الثمانينيات الى أن هدمت المسجد البابري فى ديسمبر 1992 . وباستغلال قضية المعبد تحول حزب الشعب الهندي، الجناح السياسي للحركة الهندوسية ، الى أكبر الأحزاب الهندية وقد حكم الهند خلال 1999-2004 وهو يحكم الهند حاليا منذ 2015.

 

أحلام النهضة الهندوسية

“النهضة الهندوسية” حلم راود زعماء الهندوس فى القرنين التاسع عشر والعشرين. وظلت هذه الحركة بمختلف أشكالها معادية للمسلمين ومؤيدة للمستعمر الإنجليزي أو على الأقل محايدة بالنسبة له. ولم يعرف عن زعماء الحركة الهندوسية أنهم حاربوا المستعمر الإنجليزي ، بل كانوا يسخرون من الذين يعارضون المستعمر ويُقتلون أو يذهبون للسجون خلال ذلك الكفاح، وكانوا يقولون عن أنفسهم أنهم يستعدون لأمور أكبر من الاستقلال مشيرين إلى أن هدفهم هو إنشاء دولة هندوسية ، وكانوا يرون أن الإنجليز حلفاء لهم فى هذه الحركة لأنهم يقضون على نفوذ المسلمين وخصوصاً بعد هزيمة الثورة الكبرى سنة 1857 التى صوّروها على أنها كانت محاولة لإعادة الحكم الإسلامي فى الهند.

وقد ألف بانكيم تَشنْدرا تشاتَرجِىBankim Chandra Chatterjee (م: 1894م) رواية بعنوان “آنَنْد مَتْهْ” Anandamath (بيت السعادة ، 1882) حول كفاح الهندوس ضد الحكم الإسلامي وتنتهى هذه الرواية بهزيمة المسلمين وعندها يطلب قائد الكفاح الهندوسي الإذن من معلمه أن يبدأ الكفاح ضد الإنجليز الذين بدأوا يسيطرون على أجزاء من الهند فيأمره المعلم أن يعود إلى أشغاله العادية فى الحياة حيث لا ضرورة لقتال الإنجليز لأن الهندوس سيعيشون فى سعادة تحت حكم الإنجليز[1]. وتحتوى الرواية على أغنية “وَنْدِيه ماتْرَم” يعترض عليها المسلمون لأنها تعنى عبودية أرض الهند ولكن يصر غلاة الهندوس على غنائها فى كل مناسبة وهم مستعدون لضرب وقتل من لا يرددها .وتشاترجى هذا هو الذى اخترع شعار “الهند الأم” Mother India بمعنى أن أرض الهند إلهة من آلهة الهندوس ، وقد أصبح هذا الشعار جزءًا من عقيدة الحركة الهندوسية.

والهِنْدُوتوا ، أى حركة القومية الهندوسية ، هى المظهر السياسي والاجتماعي لهذه الحركة التى تهدف إلى إنشاء كيان هندوسي مستقل يرفض الديانات والثقافات غير الهندية التى دخلت الهند وترسخت بها، وخصوصاً الإسلام والمسيحية. ويرى عالم الاجتماع والمؤرخ المعروف (رَجْنِى كوتَهارِى) أن الهندوس يتكونون من عدد كبير من الأقليات وهم موزعون على فرق وطوائف وطبقات ولذلك ليس صحيحا اعتبار الهندوس “أكثرية” فى الهند[2].

وهدف الهِنْدُوتوا هو التغلب على هذا التشرذم وتوحيد الفرق والطوائف الهندية الخالصة تحت مظلة واحدة، على الأقل فيما يتعلق بأهدافها السياسية والثقافية. وترى هذه الحركة أن الهندوس هم أبناء الهند الحقيقيون ولذلك لابد أن يسودوا الهند سياسيا وثقافيا واجتماعيا وما على الفئات الأخرى مثل المسلمين والمسيحيين إلا أن يقبلوا العيش فى الهند كمواطنى درجة ثانية وضيوف يقبلون ما يعطى لهم ولا يطالبون بأي حق. ويمكن القول أن الهِنْدُوتوا بالنسبة للهندوسية هى كالصهيونية بالنسبة لليهودية ، فكلتاهما حركة سياسية عنصرية تدعي العمل لأجل أتباع ديانة معينة. وبسبب هذا التماثل قامت أوثق العلاقات بين الهند وإسرائيل منذ وصل أتباع الهِنْدُوتوا الى سدة الحكم فى الهند فى أواخر القرن العشرين.

وقد سبقت الآر.إس.إس. حركاتٌ ومنظمات هندوسية كثيرة تبنت فكرة القومية الهندوسية الجامعة ابتداءا من تنظيم الآرْيا سَماج Arya Samaj (المجتمع الآري – أسّس سنة 1875) والهِندو ماهاسابها (المؤتمر الهندوسي الكبير – أسس سنة 1915).

وقد قام الدكتور هيدغيوار Hedgewar (م: 1940)، أحد منظِّرى الحركة الهندوسية وزعماء الآر.إس.إس. ، باختراع  مصطلح “هِنْدُوتْوَا” (Hindutva) ، أى الهندوية أو الهندوسية السياسية ، كإسم لهذه الحركة وذلك فى كتابه “هِندُوتْوا” Hindutva المنشور سنة 1923. وقام بتنظيرها غولْوالْكَر فى كتابه We or Our Nationhood Defined ، المنشور لأول مرة سنة 1939 ، وهو يعتبر الكتاب المقدس لهذه الحركة.

 

أصول الحركة الهندوسية السياسية

تعود أصول هذه الحركة إلى النصف الثانى من القرن التاسع عشر حين قرر الإنجليز العمل على توسيع الهوة بين المسلمين والهندوس بعد القضاء على ثورة 1857م التى اشترك فيها المسلمون والهندوس على حد سواء لإسقاط الحكم الاستعماري الإنجليزي. وبعد إخماد تلك الثورة ، وعملا بمبدأ “فرِّق تسد” حين أيقن الإنجليز أن حكمهم لن يستقر ما دام المسلمون والهندوس متحدين ، قرروا تشجيع جماعات وأفراد من الطائفتين لإثارة الحقد والكراهية ضد الطائفة الأخرى. وهكذا تبنى بعض الإنجليز بعض الهندوس بينما تبنى البعض الآخر منهم بعض المسلمين. وعمد الإنجليز إلى وضع تاريخ مزيف للهند يصف قرون الحكم الإسلامي بالهمجية والتعسف والظلم فى حق الهندوس . وشجع الإنجليز جماعات هندوسية أخذت تثير الكراهية ضد المسلمين مثل حركة الآريا سَماج .

 

“التطهير” أهم برامج الحركة الهندوسية

كان أهم جزء من برنامج الحركة الهندوسية منذ نشأته، ولا يزال ، هو ما يسمونه “شُودِّهى” Shuddhi (التطهير) أى إعادة الملايين من الهنود الذين اعتنقوا الإسلام أو المسيحية عبر العصور إلى حظيرة الهندوسية لأن أجدادهم كانوا هندوسا وعلى أحفادهم أن يعودوا الى دين آبائهم. وكانت منظمة “الآريا سماج” تركز على هذا البرنامج. وقد وقعت مواجهات عنيفة بين أتباع هذه الحركة والمسلمين فى أوائل القرن العشرين. وبما أن هؤلاء كانوا ولايزالون يركزون على المسلمين الأميين وعلى سكان المناطق المتخلفة والنائية لحملهم على الارتداد ، فقامت “حركة التبليغ” الإسلامية سنة 1927 لتعليم المسلمين الأميين مبادئ الدين الحنيف وهى قد أصبحت بمرور الزمن حركة عالمية.

ونشاط الهندكة ، أى تحويل المسلمين والمسحيين والقبليين إلى الهندوسية مستمر على قدم وساق فى المناطق المتخلفة والأرياف على أيدى مبلغى الآر. إس. إس. وخصوصا بعد وصولهم الى السلطة قبل عقدين من الزمان.

 

فرض اللغة “الهندية” على حساب الأردية

من أهم إنجازات الحركة الهندوسية فرض اللغة “الهندية” (Hindi)، التى تكتب بحروف “دِيوناغْرِي” الهندية، زاعمين أنها لغة الهندوس، بينما وصفوا “الأردية” الشائعة آنذاك على المستوى الشعبي والرسمي – وهى الأخرى لغة هندية ولكنها تكتب بالحروف العربية – فقالوا أنها “لغة المسلمين”. وهكذا جرى تهميش اللغة الأردية السائدة حتى الاستقلال. وهذا رغم أن أصل اللغتين واحد وهما لا تختلفان فى المحادثة العادية إلا عند إدخال الهندوسي كلمات سنسكريتية فى حديثه وإدخال المسلم كلمات فارسية وعربية فى حديثه بنفس اللغة الواحدة أى أن النسيج العام مشترك بين اللغتين وكلتاهما لغة هندية أصيلة. وكان زعماء حزب المؤتمر يقولون قبل الاستقلال أن “الهِندُوسْتانية” ستكون لغة الهند الرسمية التى ستكتب بالحروف العربية والديوناغرية معا إلا أنهم تنكروا لهذا الوعد بعد الاستقلال وفرضوا اللغة الهندية بالحروف الديوناغرية وحدها كلغة الهند الرسمية.

 

ظهور الآر. إس. إس.

فى سنة 1925 ظهرت من بطن حركات النهضة الهندوسية منظمة “راشتريا سُوايَم سِيواك سَنغ”  Rashtriya   Suwayam Sewak Sangh (منظمة الخدمة الذاتية القومية) التى تعرف بحروفها الأولى “الآر.إس.إس.” RSS. وهى حركة شبه عسكرية قامت بتأثير الحركتين النازية والفاشية وقد اقتبست منهما أفكارها حول النقاء الجنسي والفلسفة السياسية وحتى ملابس أعضائها ونظامها وتدريباتها تحاكى النازية والفاشية. وقد سافر زعماء حركة الآر.إس.إس. غير مرة إلى المانيا وإيطاليا خلال العهد النازي والفاشي حيث التقوا بزعمائها ودرسوا أساليبها وعادوا لتطبيقها فى الهند[3]. وهم لا يخفون فى أدبياتهم الأولية هذه الحقيقة ، فقد كتب غولوالكر، منظِّر الآر.إس.إس. ورئيسها خلال سنوات  1940 – 1973، فى كتابه “نحن أو قوميتنا المحدَّدة” (We or Our Nationhood Defined) المنشور لأول مرة سنة 1939 بكل صراحة:

الفخر العرقي الألماني والحفاظ على نقاء العرق وثقافته هو حديث الساعة الآن. وقد صدم الألمان العالم بتطهير بلادهم من العروق السامية أى اليهود. لقد تم إظهار الفخر العرقي بأعلى أشكاله هنا. وقد أظهرت ألمانيا أنه من المستحيل تماماً أن تُدمَج فى وحدة واحدة عروقٌ وثقافات تختلف عن بعضها حتى النخاع، وهو درس جيد ، علينا فى الهند أن نتعلمه وأن نستفيد به[4].

إحدى تجمعات الآر إيس إيس حاملة العصي وراياتها الزعفرانية

 

وحرىّ بالذكر هنا أن زعماء الحركة الهندوسية يرون أن الطبقات العليا من الهندوس هم آريون نزحوا من أوربا قبل نحو ثلاثة آلاف سنة وأنهم أبناء عمومة الألمان الذين هم أيضا يعتقدون أنهم “آريون”، ويستخدم كل من النازيين وغلاة الهندوس علامة الصليب المعكوف أو”السواستيكا” (卐) كشعار. والجدير بالذكر أن منظمتين فقط باقيتان الى اليوم من المنظمات التي قامت بتأثير النازية والفاشية وهما منظمة الآر.إس.إس. فى الهند ومنظمة “الكتائب” فى لبنان.

ولم تشترك الحركة  الهندوسية بتاتا فى حركة التحرير التى كان الهنود يشنونها آنذاك ضد الاستعمار الإنجليزي بل كانوا يعتبرونها مضيعة للوقت وكانوا يقولون لأعضاء الحركة أنه لا ينبغى أن نضيع جهودنا فى معارك جانبية وعلينا أن نركز أنفسنا على المعركة الكبرى وهى إقامة الدولة الهندوسية فى الهند[5]. وحتى نشطاء الحركة الهندوسية الذين شاركوا فى حرب التحرير بصورة فردية ، مثل ساوَركار وأتال بيهارى واجبائى، فقد خرجوا من السجن بعد تقديم طلبات العفو للإنجليز.

وبعد الاستقلال سنة 1947 لم تقبل هذه الحركة بالتوجهات العلمانية والديمقراطية التى كانت حكومة الهند المستقلة تنهجها برئاسة جواهرلال نهرو والتى كان أبوها الروحي هو المهاتما غاندي. وكان زعماء الحركة الهندوسية يعتبرون غاندى مسئولا عن التقسيم وحماية مسلمى الهند وقيام دولة علمانية فى الهند والتخاذل أمام باكستان، فقتله أحد أعضاء هذه الحركة وهو ناتُهوْ رام غُودْسِيه Nathu Ram Godse فى 28 يناير 1948. وقد أعدم غودسيه بعد محاكمة إلا أن ساوَرْكَر، المهندس الحقيقي لمؤامرة الاغتيال وزعيم الآر.إس.إس.، فلم يعدم لعدم ثبوت دوره فى المؤامرة أمام المحكمة.

وتم حظر الآر.إس.إس. للمرة الأولى فى  فبراير 1948 وألغى الخطر فى يوليو 1949 بعد أن طلبت المنظمة العفو عنها ووضعت دستورا لها وأكدت للحكومة أنها منذ الآن فصاعدا ستكون منظمة “ثقافية” لا دور لها فى السياسة.

ولكن الحقيقة هى أن الآر.إس.إس. لم تفِ بهذا الوعد ولو يوما واحداً، وهى منذئذ دأبت على إنشاء عشرات من المنظمات الفرعية المتخصصة لكل ميدان من ميادين الحياة مثل العمل السياسي، والفلاحين، والعمال، والطلبة ، والنشر، والقبليين ، والعمل الجماهيري، والعمل المسلح ، والعمل الديني ، ورجال الجيش المتقاعدين ، وتدوين التاريخ ، وإدارة المدارس ووضع الكتب المدرسية، إلخ.

وكان إنشاء هذه الفروع وفق استراتيجية تقول أنه لو تم حظر المنظمة فى المستقبل فهذه المنظمات الفرعية المستقلة ستظل تؤدى دورها إذ سيكون صعباً على الحكومة أن تحظر كل هذه المنظمات. وكان تخمين المنظمة صحيحاً إذ تم حظرها مرتين بعد ذلك. والمرة الثانية كانت خلال حكم الطوارئ فى عهد إنديراغاندى (1977)، والمرة الثالثة كانت سنة 1992 بعد تورط عناصرها فى هدم المسجد البابري يوم 6 ديسمبر 1992. وكلما وقعت منظمة فرعية من هذه المنظمات أو فرد من أفرادها فى مشكلة مع الدولة أو القانون تدعى الآر.إس.إس. أنها لا شأن لها بتلك المنظمة أو ذلك الفرد رغم أنه معروف ومعهود أن عناصر الآر.إس.إس.، ممن يسمونه Parcharak (المبلِّغ)، يتم إعارتهم لإدارة هذه المنظمات ومنهم ناريندار مودى، رئيس الوزراء الهندي الحالي.

وعلى مر الزمن أصبحت منظمة الآر.إس.إس. أكبر منظمة هندوسية مع بقاء منظمات صغيرة أخرى تعمل لنفس الهدف ولكن تختلف مع الآر.إس.إس. حول الأسلوب أو الأولويات أو أنها تعتبر الآر.إس.إس. متراخية… ومن هذه المنظمات “آريا سَماج” و”هِندُو ماها سابها” و”سناتَنْ سَنْسْتَها” و”هِندو مُونانى”، وحزب “شِيو سِينا” وغيرها كثير.

ومن فروع الآر.إس.إس. حزب الجان سانغ (تأسس سنة 1951)، وحزب الشعب الهندي (تأسس سنة 1980)، والوِيشوا هِنْدو بارِيشاد (المنظمة الهندوسية العالمية – تأسست سنة 1964) ، وجناحها المسلح الشبابي باجرانغ دال (جيش باجرانغ) للشباب ودُورْغا واهْنى (جيش دورغا) للشابات ، الخ. ويبقى حزب الشعب الهندي أكبر هذه المنظمات نفوذا وتأثيرا بسبب دوره السياسي على مساحة واسعة فى البلاد وهو يحكم الهند حاليا منذ مايو 2014 بعد أن أحرز الأكثرية فى البرلمان لأول مرة ثم فاز فى انتخابات 2019 مرة أخرى بأغلبية أكبر. وهذا قد سهّل كثيرا تنفيذ برامج الآر.إس.إس. باستخدام أجهزة الدولة.

 

“الأخطار” الثلاثة فى نظر الهندوتوا

ترى الحركة الهندوسية أن ثلاثة “أخطار داخلية” تواجه الهندوس أو الهند[6] ، أولها المسلمون.

والمصدر الثانى للخطر فى رأى الحركة الهندوسية يأتى من المسيحيين ومؤسساتهم التعليمية والطبية والاجتماعية. وقد بدأت المنظمات الهندوسية المتطرفة تهاجم المسيحيين ومؤسساتهم وكنائسهم منذ أوائل سبعينات القرن الماضى. وكثرت الهجمات على الكنائس والمؤسسات المسيحية عقب مجئ مودى للحكم سنة 2014 ولكنها سرعان ما توقفت بعد تدخل الدول الغربية.

والمصدر الثالث للخطر فى نظر القومية الهندوسية يأتى من الشيوعية. والصراع والاشتباكات بين الشيوعيين وحركة التطرف الهندوسي معروف بصورة خاصة فى ولايتَى كيرالا وبَنْغال الغربية حيث يوجد عدد كبير من الشيوعيين الذين حكموا الولايتين لبعض الوقت.

ومشكلة الهندوسية مع الإسلام تكمن فى أن الإسلام لم يقبل الانصهار والاندماج فى الهندوسية، كما يقول أشوك رُودْرا الأستاذ بجامعة بومباى:

السبب فى 700 سنة من الحقد وعدم التسامح مع الإسلام يعود الى فشل البرهمية فى ابتلاع الإسلام فى الهند. ولو كان الإسلام قد قبل بالانصهار لكانت البرهمية قد قبلت به بكل سعادة كجزء من البيت الهندوسي[7].

تقول الآر.إس.إس. عن هذه “الأخطار الثلاثة”: إلى أن يغير هؤلاء أسلوب فكرهم وينصهروا تماما فى الثقافة الهندوسية لن يتم قبولهم كهنود بل سيظلون “ضيوفا” ولن تكون لهم حقوق خاصة. الآر.إس.إس. لا تكون صريحة حول هذه الأفكار فى أدبياتها باللغة الإنجليزية ولكنها لا تخفى شيئا فى كتاباتها ومنشوراتها باللغة الهندية حيث يصفون المسلمين بـ”الأفاعى الأجنبية” Yawan saanp[8]. ويتم مهاجمة حتى الهندوس من ليبراليين وعلمانيين ومتغربين بهذا الأسلوب الشديد فى أدبيات الآر.إس.إس. باللغة الهندية[9].

والآر.إس.إس. تقلد الفكرة الإسلامية عن الأمة الواحدة لصهر الهندوس فى أمة واحدة، وهى تحاكى أمنية وِيوِيكانَنْدا Vivekananda (م: 1902) القائلة بتشكيل أمة هندوسية واحدة تقوم على جسد إسلامي وفلسفة الأدويتا Advaita (الثنائية) أى وحدة الوجود ومعرفة الذات التى تؤمن بأن الخلاص يمكن الحصول عليه فى هذه الحياة نفسها.

 

التخويف من المسلمين

والنعرة المفضلة عند زعماء الحركة الهندوسية هى أن “الهندوسية فى خطر” وهم لايكلّون عن الترديد أن المسلمين سيصبحون أكثرية فى البلاد فى المستقبل القريب وأن المسلمين يستحوذون على كل تسهيلات الحكومة على حساب الهندوس… والهندوس السذج يؤمنون بهذه الأكاذيب ويردّدونها رغم أن الأبحاث العلمية قد أكدت زيف هذه الأكاذيب. فالحقيقة المعاشة هى أن الهندوس يحتكرون كل جوانب الحياة فى الهند من سياسية وبيروقراطية واقتصادية وإعلامية وشرطة وجيش ومخابرات ، الخ. وقد كتب فِينود مِهْتا ، أحد الصحفيين الهنود البارزين ، يقول قبل سنوات:

لا تخطئ ! فرغم كل الدعاية المنشورة ، الحكم الهندوسي للهند كامل ومطلق. هم بلا منازعة السادة لكل قوى الشعب السياسية والاقتصادية والعسكرية فى الهند… والهندوس يهيمنون ليس فقط لأنهم يمثلون 80 فى المائة من السكان بل لأنهم قد استحوذوا على كل المفاتيح اللازمة لحكم دولة ذات سيادة. فمن هو المضطهِد ومن هو ضحية الاضطهاد؟… لقد تم تحويل مسلمى الهند الى مواطنين من الدرجة الثانية وهم لن يمثلوا تحديا للذين يمسكون بزمام السيطرة على الدولة بقوة… ليس للهندوس أن يخافوا من شئ سوى الأساطير التى يختلقها الهندوس عن أنفسهم.[10]

[1] A.G. Noorani, “Vande Mataram: Text in Context,” Frontline, 14 Sept., 2018 — https://www.frontline.in/the-nation/article24802519.ece?homepage=true  ;  Shyam Sunder, “Vande Mataram: Facts and Fiction,” Mainstream, June 2006; Shyam Chand, Vande Mataram: Facts and Fiction,” The Milli Gazette, 16-30 Nov. 2009, p. 2;  Shamsul Islam, “The History And Politics Of Vande Mataram,” Academia.edu —

https://www.academia.edu/1103050/THE_HISTORY_AND_POLITICS_OF_VANDE_MATARAM_By_Shamsul_Islam_

[2] Rajni Kothari in Iqbal A Ansari (ed.), Readings on minorities, Delhi, Institute of Objective Studies, 1996, pp.I/36f.

[3]  أنظر للتفصيل : Maria Casolari, In the Shade of Swastika, Bologna (Italy) 2011

[4] M.S. Golwalkar, We Or Our Nationhood Defined, Bharat Prakashan, Nagpur, 1939, p.35 (republished in Shamsul-Islam (ed.),Golwalkar’s We Or Our Nationhood Define – A Critique, Phaors Media, Delhi, 2006)

[5] Shamsul Islam, “EVERYDAY AGNIPRIKSHA (TRIAL BY FIRE) OF UP MADRASAAS TO PROVE PATRIOTISM: HINDUTVA ATTACK MUST BE FACED INNOVATIVELY” — https://www.academia.edu/34266536/

[6]   حسب تصريح زعيم الآر. إس. إس. غولوالكر فى الباب الثاني عشر من كتابه “باكورة أفكار” Golwalkar, Bunch of Thoughts ،

  1. G. Noorani, “RSS and Christians,” Frontline, 15:26, 19 Dec., 1998- 1 Jan., 1999 — https://frontline.thehindu.com/static/html/fl1526/15261230.htm

[7] Sebastian Vempney, Minorities in contemporary India, Delhi, Kanishka, 2003, p. 305

[8] Haris Basheer, Aar Ess Ess- ek mutala’ah [“RSS-a study,” in Urdu] (Delhi: Cosmos, 2003), p. 70

[9]  عن فلسفة منظمة الآر.إس.إس ، أنظر كتاب منظِّرها غولوالكر: Golwalkar,Bunch of Thoughts, 1966

[10] Vinod Mehta, Sunday Magazine, Calcutta, 16 December 1990 – reproduced in Muslim & Arab Perspectives, 2:4-7 (1995) pp. 136f.

يتبع…

التعليقات مغلقة.