أضواء عل ىسيرة السيد أبي الأعلى المودودي وجهودهالإسلامية

أنيس أحمدالفلاحي المدني

 

حياته

نسبه:هو أبو الأعلى المودودي بن سيد أحمد حسن بن سيد حسن بن وارث علي، يرجع بنسبه البعيد إلى جد الأسرة المودودية: قطب الدين مودود، صاحب الطريقة الجشتية التي ازدهرت في الربع الأول من القرن الهجري السادس في منطقة «هرات» في أفغانستان، ويرجع نسب قطب الدين إلى خليفة المسلمين علي بن أبي طالب I، ومن هنا أستطيع أن أقول: إن نسبه الشريف يلتقي مع النبي ﷺ في جده عبد المطلب.

مولده:ولد الإمام أبو الأعلى المودودي في 3 رجب 1321هـ الموافق 25 سبتمبر 1903م في «أورنج آباد»، المدينة المشهورة في مقاطعه «حيدر آباد» الدكن، والتي أصبحت الآن «آندهرابراديش» بالهند.

نشأته العلمية وتربيته:إن الإمام قد بدأ مرحلةالتعليم الابتدائية على يد والده. (ولم يرسله والده إلى المدارس، محافظةً على لسانه من الألفاظ السوقية والكلمات الدارجة، وإنقاذًا من صحبة الأشرار). فتلقّى من أبيه دروسه الأولية في القرآن والحديث والفقه واللغتين: العربية والفارسية، ولم تمض سنوات حتى كان الأستاذ قد حصل من العلوم في خمس سنوات مالم يحصله نظراؤه من الأطفال في ضعف هذه المدة، وبلغ من نباهته واجتهاده في هذه المرحلة أن استظهر موطأالإماممالك عن ظهر قلب.

وقد عني أبوه بتربيته على أفضل ما يتصور من الأخلاق ويتحدث الأستاذ عن

 

تلك التربية الحسنة قائلًا: إنه كان يأخذه بالتوجه الشامل، حتى ليمنعه من استعمال الألفاظ الدارجة، وفي الليالي يقص عليه من أخبار الأنبياء وتاريخ الإسلام، والأحداث الشهيرة من أيام الهند، ويكشف له عما ورائها من الدروس والعبر.

ثم التحق الإمام بالمدرسة الثانوية في الصف الثامن ولما يتجاوز الحادية عشرة من العمر، واستحصل على شهادتها وهو في الرابعة عشرة بتفوق بالغ.

وحدث أن أصيب والده بمرض أقعده عن العمل، فترك الأستاذ الدراسة، وبادر بالحضور إلى أبيه الذي كان انتقل إلى «بوبهال»، فانقطع إلى خدمته والعناية به إلى أن وافته المنية في عام 1917م.

ودخل الأستاذ بعد وفاة أبيه في فترة قاتمة من الحياة، إذ لم يبق له سند من الناس، وقد أدرك جيّدًاأنه أصبح وحيدًا في هذه الدنيا، وليس له إلّا أن يبني حياته معتمدًا على نفسه بعد الله، فبدأ يعمل في الصحافة.

وقد استغلّ الإمام الفترة التي عاشها في دلهي أثناء عمله في الصحافة للتعمق في العلوم الإسلامية، فقرأ على الأديب الشيخ عبدالسلام نيازي علوم البلاغة والآداب العربية، كما أنه قرأ كتب الحديث على المحدث الشيخ أشفاق الرحمن، وقرأ التفسير والمنطق على الشيخ شريف الله.

ولم يغفل الإمام أمر العلوم العصرية، فتعلم اللغة الإنجليزية على أحد أساتذتها في أربعة أشهر فقط، وعن طريق الإنجليزية أطلّ على الكثير من علوم الغرب كالتاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعية، وبذلك أتيح له أن يعلم من مواضع التلاقي والافتراق بين الثقافتين ما لم يكن ليحيط به لولا هذا التضلع الذي وفقه الله إليه.

محنته وبلاؤه:إن الإمام قد اعتقل عدة مرات بسبب جرأته ووقوفه ضد معارضي التطبيق الإسلامي في باكستان، وحكم عليه بالإعدام حينما كتب رسالته المشهورة «المسألة القاديانية» التي تحوي على تبيين حقيقة القاديانية وخطرها على المسلمين، ثم خفف ذلك تحت ضغط جماهير الشعب المسلم في العالم الإسلامي، ولم يكن السجن أن يفل من عزم المودودي، بل زادته نشاطًا وحيويةً وإيمانًا.

نظرة خاطفة على ثناء العلماء عليه:

قد اعترف كثير من العلماء والأدباء والصحافيون بأنه كان مفسرًا، فقيهًا، أديبًا، عارفًا بمواضع التلاقي والافتراق بين الثقافتين، ماهرًا في استنباط الأحكام الشرعية في الحوادث المتجددة، داعيًا إلى الله D، مؤمنًا بأن الإسلام هو النظام الوحيد لفلاح البشرية في الدنيا والآخرة. وإليك طرفًا من ذلك.

يقول الشيخ بشير الجزائري:«مارأيت عالمًا في شبه القارة الهندية أكثر تفقهًا في الدين من المودودي».

ويقول الشيخ محمد طيب الهندي:«إني أراه مفكِّرًا عظيمًا في الاجتماع الإسلامي».

ويقول الشيخ عبدالقدوس عندما حكم عليه بالإعدام:«أنا أوجه إلى الأمة نداءً حارًا بأن لا يألوا جهدًا في إنقاذ هذا المفكِّر الإسلامي العظيم، الأديب الفريد، من الإعدام».

ويقول الشيخ نعيم الصديقي:«إن حياته كانت تفسيرًا ملموسًا لقوله تعالى: ﴿ﮢﮣﮤﮥﮦ﴾[الحج: ٧٨]».

وفاته:وقد أسلم الإمام المودودي روحه الطاهرة إلى خالقها بتاريخ 1/11/1399هـ الموافق22/9/1979م إثر عملية جراحية أجريت له في نيويورك حيث كان في زيارة لابنه الذي كان يعمل طبيبًا هناك، وقد نقل جُثمانه إلى «لاهور» مشيعًا برثاء العالم الإسلامي له، ودفن هناك في بيته.

جهوده الإسلامية

إن الأستاذ المودودي قد وهب حياته وقلمه لخدمة الإسلام والمسلمين، والذب عن الشريعة البيضاء، ولا يمكن استقصاء جهوده في هذا البحث الموجز، ومن أبرزها ما يلي:

أولًا: الدعوة إلى إقامة النظام الإسلامي:

حالةالمسلمينفيعصرالأستاذالمودودي: إن المسلمين في ذلك العصر (1349هـ وما بعدها)كانوا بين نارين: نار الوطنية المشتركة والقومية الهندية الجارفة الداعية إلى إدماج المسلمين وثقافتهم ونظمهم الاجتماعية والسياسية في ثقافة الهنادك وآدابهم ونظمهم المستقاة من الوثنية القديمة، ونار القومية المسلمة والإسلام الجغرافي الداعية إلى إقامة دولة المسلمين القومية في المناطق التي فيها أكثريتهم. فمنهم من آثر الأولى واصطلى بلظاها، ومنهم من اختار الثانية، وهم الأغلبية الساحقة، وزاد تلك النار المتأججة اضطرابًا ولهيبًا. ولا يخفى على عارف ما في كلتا الفكرتين من خطر على الدين الحق ومستقبله في هذه الديار.

البدء بالدعوة إلى إقامة النظام الإسلامي:بدأ الأستاذ المودودي دعوته الإسلامية (إقامة الدين أو إقامة النظام الإسلامي) في هاتيك الأحوال بإصدار مجلته «ترجمان القرآن» من حيدر آباد الدكن عام 1933م الذي كان شعارها: «احملوا ــ أيها المسلمون ــ دعوة القرآن، وانهضوا، وحلقوا فوق العالم».

فبدأ إلى دعوة الآخرين بما آمن به وإلى ما اهتدىإليه….. ويقول الإمام في هذا الصدد: «إنني مسلم آمنت بالإسلام بعد تجربة واختبار، خرجت بعدها مصقولًا لامعًا. عقلي وقلبي يشهدان أنه لا طريق سوى الإسلام لتحقيق الفلاح والصلاح، إنني لا أدعو غير السلمين فقط، بل أدعو المسلمين أيضًا إلى الإسلام….. إنها دعوة ونداء للجميع: أن تعالوا نقضي على هذا الظلم والطغيان اللذين انتشرا في العالم، ونحطم عبودية الإنسان للإنسان، تعالوا نبني دينًا جديدًا طبقًا لخريطة القرآن….. حيث يعيش فيها الإنسان مشرفًا معززًا، وحيث يسود العدل، وتعم المساواة والحرية، وترفرف أعلام الأمن والحب والسلام».

وفيأبريل 1941م كتب الأستاذ مقالًا في «ترجمان القرآن» تحت عنوان: «الحاجة إلى جماعة صالحة»، ووضّح في هذا المقال: «أن الإنسان اليوم جرّب كل النظم والنظريات لإسعاد حياته، ولكنه لم ينجح في هذه التجارب، ولم يبق أمامه الآن إلّا الإسلام. والإسلام هو دين وحيد يضمن للإنسان الفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة، ولكنه لابد من إقامة حزب وجماعة تحمل جميع تعليمات الإسلام من غير تجزئة ولا إضافة، لكسر شوكة الحضارات الجديدة وهدمها، وإقامة الحضارة الإسلامية.ولايكفي مجرد وجود نظام إسلامي، بل لابد من وجود جماعة صالحة تقدم هذا النظام في صورة عملية سليمة، تؤمن إيمانًا صادقًا بصحة هذا النظام، وتتحمل المصائب والمحن في هذا السبيل».

ثم وجه الأستاذ دعوة إلى جميع الجمعيات الإسلامية الموجودة في ذلك الوقت، ليتّحدوا جميعًا تحت ظل نظام إسلامي لسد هذه الحاجة. إلّاأنهم لم يلتفتواإليها، فاعتزم الأمر، وتأهب للقيام بالدعوة والتفرغ لها،والاستماتة في سبيلها.

تأسيس الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية: فأعلن الأستاذ أن الذين تتوفر لديهم الرغبة في ذلك عليهم أن يجتمعوا في «لاهور» في غرة شهر شعبان المعظم عام 1360هـلبحث إجراءات تأسيس حركة إسلامية في شكل منظم. فاجمتع خمسة وسبعون رجلًا، وتفاوضوا في الأمر، وتشاوروا فيه، وبعدما قتلوا المسألة بحثًا وقلبوا وجوه الرأي والنظر فيها اجتمعت كلمتهم على تأسيس جماعة تقوم بهذه الدعوة، أي دعوة إقامة الدين وما يلزمها من تنفيذ القانون الإلهي في الأرض وتوطيد نظم الملك والعمران والاجتماع والاقتصاد على دعائم العدالة الاجتماعية والبر والتقوى التي جاء بها الإسلام ودعا العالمين جميعًا إلى اتباعها والسير عليها، فأسسوا«جماعتِاسلامى»، «الجماعة الإسلامية» في 2 من شعبان عام 1360هـ الموافق 26من أغسطس عام 1941م، وانتخب الأستاذ أميرًا لهذه الجماعة باتفاق الحاضرين.

عقيدة الجماعة الإسلامية:         عقيدة الجماعة الإسلامية هي ما تحمله كلمة الشهادة «لا إله إلّا الله، محمد رسول الله».

والمراد من الجزء الأول من هذه العقيدة أي كون الله إلهًا واحدًا دون غيره هو: إن كل ما في السماوات والأرض فالله خالقه ومالكه وحاكمه.

والمراد من الجزء الثاني من هذه العقيدة أي «محمد رسول الله» أنّ محمدًاﷺ هو آخر الأنبياء، وبواسطته أرسل الله رب العالمين مالك هذا الكون الهدايةَ الحقيقية والأحكام المعتمدة إلى الناس كافة، وأمر الله نبيه ﷺ أن يكون بتطبيق هذه الهداية والأحكام المعتمدة في الحياة العملية مثالًا يحتذى وقدوة يقتدى.

الغاية التي تستهدفها الجماعة الإسلامية:إنّ غاية الجماعة الإسلامية ومناط جميع جهودها هو إقامة دين الله، أو إقامة الحكومة الإلهية،أو إقامة النظام الإسلامي واقعًا، وكسب مرضاة الله والنجاة في الآخرة.

دعوة الجماعة الإسلامية:إنّ الجماعة قد قامت بالدعوة الإسلامية التي تشتمل على ثلاثة بنود أساسية:

تدعو الجماعة الإسلامية البشريةَ كافة والمسلمين خاصة إلى أن يعبدوا الله وحده، ولا يشركوا به شيئًا، ولا يتخذوا إلهًا ولا ربًّا غيره.

تدعو الجماعة كل من أظهر الرضا بالإسلام دينًا كاملًا إلى أن يخلص دينه لله تعالى، ويزكي نفسه من شوائب النفاق، وعمله من التناقض.

تدعو جميع أهل الأرض أن يحدثوا انقلابًا عامًا في أصول الحكم الحاضر الذي استبد به الطواغيت والفجرة الذين ملأوا الأرض فسادًا، وأن ينتزعوا هذه الإمامة الفكرية والعملية من أيديهم، حتى يأخذها رجال يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويدينون دين الحق، ولا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا.

حقيقة الجماعة الإسلامية:إن الجماعة الإسلامية هي دعوة إسلامية خالصة، بريئة من أرجاس النزعات الوطنية والنعرات الإقليمية، طاهرة من أدناس الميول العنصرية ومنازع التفرنج والإباحية. دعوة دينية صادقة، متفجرة من ينبوع الكتاب والسنة، مستقاة من سيرة النبي ﷺ وأصحابه M.دعوة الرجوع إلى الكنف والدين المبين، واللجوءإليه في كل ما يعرض للمرء من الأزمات والمشاكل في مختلف نواحي الحياة وشعبها.

ظهرت هذه الدعوة إلى إقامة الدين، وتجديد ما درس من معالم الدين الصحيح، والقضاء على ما تسرب إلى فكرة الإسلام من خرافات الشرق وأوهام الغرب،واستيصال ما ابتدعه المسلمون من طرق معوجة ومناهج زائفة من تلقاء أنفسهم خلال القرون السالفة، قرون الانحطاط والجمود والتقليد الأعمى في العالم الإسلامي.

ومن ثم دعوة إلى إقامة الحكومة الإسلامية وإقامة النظام الإسلامي عن طريق الجهاد بأنواعه حتى تحقق غايتها الأصلية بأن تكسب مرضاة الله وتحقق لها النجاة في الآخرة.

فالجماعة الإسلامية هي جماعة عقائدية إسلامية شاملة تعمل في كل ميدان من ميادين الحياة البشرية، وليست مجرد حزب سياسي أو منظمة دينية أو مؤسسة إصلاحية.

تاريخ موجز لعمل الجماعة الإسلامية قبل تقسيم البلاد:إنّ الجماعة قد عنيت بوجه خاص من لدن تأسيسها شعبان 1360هـ إلى يوم التقسيم 27 رمضان 1366هـ بأمرين:

نشر الدعوة وتعميم كلمتها في الديار الهندية، وأداء الشهادة القولية على أتم طريق وأحسنه، وذلك في مختلف اللغات الهندية الرائجة في أقطارها.

الاهتمام البالغ بأداء الشهادة العملية بأن يظهر أعضاؤها في أخلاقهم ومعاملتهم وسائر أعمالهم بمظهر وضئ وقور يكون حجة ناطقة للإسلام على أهل هذا العصر.

بعد الانقلاب:قد انقسمت شبه القارة عام 1947م إلى دولتين: الهند، وباكستان الإسلامية، التي حصل عليها المسلمون بعد كارثة عظيمة قتل فيها زهاء خمس مائة ألف نسمة من أبناء الإسلام. ومع هذا التقسيم انقسمت الجماعة إلى:

الجماعة الإسلامية بالهند.

الجماعة الإسلامية بباكستان.

الجماعة الإسلامية بولاية جامو وكشمير المحتلّة.

ولا يمكن لي أن أفصل القول في ذكر تاريخ عمل هذه الجماعات الثلاثة بعد الانقلاب في هذا البحث الموجز، فأكتفي بالإشارة إلى بعض مآثر الجماعة بباكستان والهند وآثارها، وأهم هذه المآثر كالتالي:

مآثر الجماعة الإسلامية بباكستان:

[1] مساعدة اللاجئين المنكوبين الذين ألجأتهم المجازر المتواصلة والمذابح المتتابعة في الهند إلى اختراق حدود باكستان وانضواء تحت كنفها حيث إن الجماعة قد بذلت جميع جهودها في بضعة الشهور الأولى من عهد الاستقلال في مساعدة اللاجئين وتعهّدهم بإيوائهم والإشراف على أمورهم والسهر على مصالحهم المتنوعة المتشعبة.

[2] وقوف الجماعة ضد أطماع ذوالفقار علي بوتو الاشتراكي، في جعل دستور باكستان اشتراكيًا علمانيًا.

[3]مطالبة الجماعة من الحكومة الباكستانية بوضع دستور إسلامي لباكستان، فقد بذلت الجماعة جميع جهودها في ذلك، وظلّت تمارس الضغط على الفئة الحاكمة إلى أن تم وضع دستور إسلامي في عام 1956م.

[4] وقفت الجماعة إلى جانب اللاجئين والمجاهدين الأفعانإذ قدمت لهم المخيّمات والمستشفيات وساندتهم، وما يزال هذا الأمر الشغل الشاغل للجماعة في الباكستان حاليًا. كماأنها ساندت ولا تزال تساند الآن المجاهدين في جهادهم، وأعدت لهم المؤن والمراكز الطبّـيّـة والمخيّمات.

آثار الجماعة الإسلامية بلغة الأرقام وغيرها على المجتمع الباكستاني:كان عدد أعضائها حتى أواخر العام 1974م4566عضوًا، وذلك مع أن عضوية الجماعة لا تتحصل إلّا بعد أن يستمر المرء مؤيدًا لها وناصرًا عدة سنوات، ويثبت أنه كفؤ لتحمل عبء العضوية.

وعدد أنصار الجماعة (مسلمين) 45627 شخصًا.وذلك فضلًا عن مئات الألوف من الأنصار والمؤيدين الذين لم تسجل أسماؤهم. وعدد الفروع المكونة من الأعضاء 529 فرعًا. وعدد الفروع المكونة من الأنصاروالمؤيدين 4175 فرعًا. ومراكز دروس القرآن 2465مركزًا. والمعاهدوالمدارس الدينية476 معهدًا.أما المستشفيات والعيادات فهي 80 وحدة.

وعلاوة على ما ذكر حقّقت الجماعة كذلك في مجال الخدمات الخيرية أعمالًا ملموسةً، كإنشاء المستشفيات والمستوصفات ودور الرعاية الاجتماعية ومراكز إغاثة المنكوبين ومساعدة الفقراء، بالإضافة إلى أعمالها في نشر الدعوة الإسلامية في مجالات العمّال والفلاحين وإنشاء النقابات بواسطة العمال والفلاحين من ذوي الاتجاهات الإسلامية لإنقاذهم من أيدي المضللين، وتبنيتهم على الإسلام ونظامه وشرائعه، وكذلك استقطاب الطلبة ورجال التعليم والتربية تحت لواء الإسلام، وتبصيرهم بدورهم في إنشاء جيل يشكل قاعدة متينة للمجتمع الإسلامي المنشود. وأمّا مدى تأثير دعوة الجماعة على المستوى العالمي فأغض النظر عن ذلك خشية التطويل.

وتبيّن لنا مما سلف أن الجماعة الإسلامية قد لعبت وتلعب دورًا إسلاميًا هامًّا، وتحمل في طياتها خيرات ومقاصد نبيلة ما أحوج الباكستان إليها حكومةً وشعبًا وخاصةً وعامةً.

مآثر الجماعة الإسلامية بالهند:

أهم مآثر الجماعة الإسلامية بالهند كالتالي:

[1]توحيد صفوف المسلمين:

قد لعبت الجماعة الإسلامية الهندية دورًا بارزًا في تشكيل اللجان والمجالس المشتركة التي تضمّ مختلف منظمات المسلمين، من أهمها «المجلس الإسلامي الاستشاري لعموم الهند»،و«المجلس الإسلامي للحفاظ على قانون الأحوال الشخصية للمسلمين».

[2] الدفاع عن قانون الأحوال الشخصية للمسلمين:

وقوف الجماعة الإسلامية بالتنسيق مع المنظمات الإسلامية الأخرى ضدّ أطماع مطالبة المنظمات الهندوسية من جهة والأحزاب الاشتراكية من جهة أخرى من الحكومة الهندية بإلغاء قانون الأحوال الشخصية للمسلمين وفرض القوانين المدنية الموحدة، وقد عارضت الجماعة هذه المطالبة، وأكدت على الحكومة الهندية أن أيّة خطوة من شأنها إلغاء قانون الأحوال الشخصية للمسلمين ستكون مرفوضة من قبل جميع المسلمين، لأنهاتخل بدينهم وعقيدتهم.

[3] الحفاظ على المقدسات الإسلامية:

تطالب المنظمات الهندوسية بتحويل عدد من المساجد التاريخية المعروفة إلى معابد هندوسية، وتزعم أن هذه المساجد بنيت على أماكن آلهة الهندوس.

وقد قامت الجماعة بالتنسيقمع المنظمات الإسلامية بتشكيل لجنة خصيصة لشؤون المساجد، وذلك لاتخاذ موقف موحّد إزاء القضية في جميع أطرافها. وأكدت الجماعة بشدة على أن مسلمي الهند يرفضون أي موقف يؤدي إلى انتهاك حرمة المساجد والنيل منها في البلاد.

[4] تعتبر اللغة الأردية لغة المسلمين بشكل عام، لأنها نشأت وتطورت خلال فترة حكم المسلمين في الهند، وتحتوي على عدد كبير من المفردات العربية والفارسية، كما أنها غنية بالإسهامات الفكرية والأدبية والعلمية للمسلمين في شبه القارة الهندية، وقد انتشرت هذه اللغة سريعًا في المنطقة. ومنذ انقسمت الهند وأنشأت دولة باكستان اتخذت الحكومة الهندية سياسية صرف النظر عن هذه اللغة، وإحلال اللغة الهندية محلها. وكانت هذه السياسة للحكومة الهندية بالغة الخطورة، لأنها تعني انسلاخ الجيل القادم عن تراثه العلمي والفكري.

وتندد الجماعة الإسلامية بسياسة الحكومة الهندية تجاه اللغة الأردية، وتطالبها بالاعتراف بهذه اللغة كإحدى اللغات الرسمية في الولايات الشمالية بالهند.

[5]إعداد المناهج الدراسية في اللغة الأردية من الروضة إلى مرحلة الجامعة في مختلف المواد من اللغة وعلم الاجتماع والرياضيات والتاريخ والعلوم على الأسس الإسلامية، وقد نالت المناهج قبولًا واسعًا، وتجاوز عدد النشر لبعض الكتب المنهجية 2000 ألف نسخة عند كل طبعة.

آثار الجماعة الإسلامية الهندية بلغة الأرقام وغيرها:

كان عدد أعضائها حتى أواخر العام 1424هـ 5659عضوًا، وذلك مع أن عضوية الجماعة لاتتحصل إلّا بعد أن يستمر المرء مؤيدًا لها وناصرًا عدة سنوات، ويثبت أنه كفؤ لتحمل عبء العضوية.

وعدد أنصار الجماعة 326664 شخصًا.

وعدد الفروع المكونة من الأعضاء 693 فرعًا، وعدد الفروع المكونة من الأنصار والمؤيدين 4679 فرعًا، ومراكز دروس القرآن 5372 مركزًا، والمعاهد والمدارس الديينة 1117 معهدًا، وأما المستشفيات والعيادات فهي 4 وحدات.

وعلاوة على ماذكر حقّقت الجماعة كذلك في مجال الخدمات الخيرية أعمالًا ملموسةً، كإنشاء المستشفيات والمستوصفات ودور الرعاية الاجتماعية ومراكز إغاثة المنكوبين ومساعدة الفقراء واللاجئين في الاضطرابات الطائفية.

ثانيًا: جهاده ضد الحركات الهدامة والمعاديةللإسلام وآثاره:

قد ركز الإمام المودودي جهاده ضد الحركات المعادية للإسلام التي أنشأت تحت رعاية الاستعمار الغاشم في شبه القارة الهندية. وأذكر واحدًا منها لضيق المجال، ألا وهي «حركة حجية السنة النبوية».

أنشأت هذه الحركة إثر غزو الاستعمار الحضاري على العالم الإسلامي، وقد انتشرت في شبه القارة تحت رعاية الاستعمار، وقويت شوكتها في باكستان في عهد الرئيس أيوب خان، حيث حصلت لهم سلطة تنفيذية في شؤون الدولة، فأصبحت تثير البلبلة الفكرية حول السنة النبوية، وتصدر كتبًا ومجلاتٍ مضللةً تقوم أجهزة الحكومة على توزيعها.

وكانت هذه الفئة تفسّر الآيات القرآنية بتفسيرات جديدة، كتفسير قطع يد السارق بكسر شوكة السارق بالسجن أو بالتغريم، وتفسير الزكاة باستثمار المال في المشاريع الإنمائية، وأدهى من كل ذلك وأنكى تفسيرهم بأن رئيس الدولة هو يملك ماكان يملك الرسولﷺ في عهده من سلطة للتشريع وتفسير الأحكام القرآنية بما يراه من المصلحة في عصره بدون أن يراجع سنة الرسول ﷺ.

فجاء الأستاذ في الميدان، وتناول جميع أكاذيب هذه الفئة، وحطمها علميًا وتاريخيًا وعقليًا، وبيّن أن السنة هي شارحة للقرآن ومصدر ثان للتشريع الإسلامي، وتمكّن الأستاذ إلى حد كبير منالقضاء على هذه الفتنة العمياء. قد اعترف به كثير من العلماء مثل الأستاذ خليل أحمدالحامدي وخادم حسين إلهي بخش وغيرهما من العلماء الأجلاء.

ثالثًا: جهاده في إقامة دولة الإسلام في باكستان:

من المعلوم أنه قد تسلم زمام السلطة في باكستان طبقة متفرنجة بعد الانقلاب، فبدأت بعد بضعة شهور تثير الشبهات عن الإسلام وعن صلاحيته كنظام للدولة العصرية، فبدأ يلقي المحاضرات أمام الشعب الباكستاني في هذا الصدد، وحذّرهم وبيّن لهم: أن هذه الطبقة المتفرنجةلوتمكّنت من وضع قواعد الدولة الباكستانية الناشئة على نظريات منحرفة ــ ولا قدر الله ــ يستحيل تغييرها بعد ذلك إلّا بالتضحيات التي تكون أكبر حجمًا ألف مرة بالنسبة للوضع الحالي. ثم وضع الإمام المطالبة المتضمنة الأربع نقاط عام 1948م، وطلب من الجمعية التأسيسيّة إقرارها كأهداف الدولة، والنقاط الأربع هي كما يلي:

إن الحاكمية في باكستان لله وحده، وأن الحكومة الباكستانية ليس لها إلّا تنفيذ مرضاة الله.

إن الشريعة الإسلامية هي القانون الأساسي للدولة.

تلغى جميع القوانين الرائجة المخالفة للشريعة الإسلامية، ولا يوضع في المستقبل قانون ينافي الشريعة.

إن حكومة باكستان تمارس سلطاتها ضمن حدود حددتها الشريعة الإسلامية.

وانتشرت هذه المطالبة في جميع أنحاء باكستان، وبدأ الشعب مع الأستاذ يطلب بوضع الدستور الإسلامي. فاتّـهم الأستاذ بعدة اتهامات، وألقي القبض عليه مرتين، وليس هذا فحسب، بل حكم عليه في المرة الثانية بالإعدام، لكن هذه المضايقات كلها لم تفل من عزم الأستاذ من هذه المطالبة إلىأن استبشر الشعب الباكستاني بصدور دستور إسلامي عام 1956م.

رابعًا: ثرواته العلمية وآثارها:

قد خلف الأستاذ المودودي ثروة علمية ضخمة التي تحوي على أمرين رئيسين:

الأول:أنه أوضح مؤثرات الجاهلية القديمة والحديثة التي وجدت سبيلها إلى المجتمعات الإسلامية، وشرح بالنقد والفحص عنعيوب الجاهليات وموبقاتها الفكرية ومضارها الخلقية والاجتماعية في هذه الكتب، وانتقد دعاة الجمود والتقليد، وانتقد أدعياء الاجتهاد المطلق والحركات الهدامة التي نشأت في المجتمع الإسلامي كأثر لهذه الحضارة المادية، وذلك بالبراهين العقلية القاطعة.

الثاني:أنه شرح نظام الحياة للإسلام كما هو المستمدّ من الكتاب والسنة بأسلوب عقلي قائم على الاستدلال في قالب عصري يوافق أذواق أهل العصر وطبائعهم.

والكتب التي خلّفها المودودي في مختلف الموضوعات -مثل القرآن والسنة والسيرة النبوية والعقائد والإلهيات ومبادئ الإسلام الأساسية والدعوة والحركة والاقتصاد والمعيشة والأخلاق والتزكية والحياة الاجتماعية والتعليم والثقافة ومواجهة التحديات المعاصرة – تزيد عن مائة كتاب.

والميزة العامة لهذه المؤلفات هي الجدة والعمق والنسق المنطقي الذي يخاطب عقل القارئ وقلبه جميعًا. وأهم هذه الكتب:

«تفهيم القرآن»، «مبادئ الإسلام»، «نحن والحضارة الغربية»، «الخطب»، «الجهاد في الإسلام»، «المصطلحات الأربعة في القرآن»، «تجديد الدين وإحياؤه»، «مكانة السنة في التشريع»، «الحجاب»، «الدولة الإسلامية»، «شهادة الحق».

آثار هذه الثروة العلمية على العالم:

لاشكّأن كتبه قد أثرت فكريًا وعمليًا وتربويًا في العالم الإسلامي، وأهم هذه الآثار كالتالي:

أولًا: إن كتبهقد تمكّنت -بفضل الله تعالى- مئات الألوف من المسلمين المثقّفين منتخليصأذهانهم من العبودية الفكرية للحضارة الجاهلية الحديثة، وأعاد ثقتهم بصلاحية الإسلام لقيادة الركب البشري في هذا العصر، وخاصة كتابه «نحن والحضارة الغربية».

ثانيًا:إن كتبه قد اهتدى به الكثيرون إلى الإسلام، وخاصة كتابه «مبادئ الإسلام»، فقد اهتدى به كثير من الغربيين، ووردت المؤلف ــ رحمه الله تعالى ــ آلاف من الرسائل من الذين قرؤا هذا الكتاب فخرجوا من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، وكان من المهتدين به شباب أسباني كتب الأستاذ عقيب قراءته إيّاه في ترجمته الإسبانية يقول: «إنه كان قد اختار حياة الترهب، فما أن اطّلع على كتابه هذا حتى أخذ به، وانتقل من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان………لا إيمان الوادع، بل إيمان من لا يخلد إلى الراحة حتى يخضع الصليب في أسبانيا لله الواحد الأحد الصمد».

ثالثًا:إن كتبه قد أثارت مشاعر شباب شبه القارة الهندية، فطمحوا إلى مجد الإسلام والمسلمين وإقامةالدولة الإسلامية، فأنشأوا عدة جمعيات كلها تسعى إلى إقامة الدين، مثل:

ايس، آئي، ايم (حركة الطلاب الإسلامية بالهند).

ايس، آئي، أو (منظمة الطلاب الإسلامية بالهند).

اتحاد الطلبة الإسلامية بالنيبال.

جمعية الطلبة الإسلامية بباكستان.

چهاترشيبر (حركة الطلاب الإسلامية ببنغلاديش).

منظمة الطلبة الإسلامية بسريلانكا.

 

 

التعليقات مغلقة.