من يرفع الراية؟

أنيس أحمد الفلاحي المدني

المسلمون اليوم في جميع أقطار العالم ونواحيه بحاجة ماسة إلي قيادة صالحة تسلك وإياهم سبل الخير والرشاد، وتقدم لهم قدوة طيبة صالحة لإعادة الثقة بديننا حتي يكون أساس حياتنا في كل مقدماتها، هذه القيادة التي تهفو نفوس المسلمين جميعًا، لأن تجد أثرها في بقعة من بقاع العالم الإسلامي هي الجديرة بأن ترفع راية الإسلام، ذلك لأنها تحمل معها عوامل النصر علي الأعداء.

ثم إن هذه القيادة الصالحة التي تتمثل في الهيئة الحاكمة للبلد والتي يتولي تصريف أمورها أحد الرؤساء تعمل في الحقلين؛ الداخلي والخارجي بحسب ما يأمر به الله جلت قدرته.

ففي الحقل الداخلي يكون طابع هذه القيادة وشعار ذلك الرئيس: العدل والإخلاص في النية والتجرد التام عن المصالح الشخصية والنزاهة والذكاء والحكمة والترفع عن الدنايا والصدق في الأقوال والأفعال، فإن من يخدم الأمة لا بد أن يكون صادقًا في عمله، لأنه محاسب في يوم من الأيام عن كل عمل قام به، وكل كلمة تفوّه بها، وهو مطالب بكل وعد أعطاه للناس.

ولابد للقيادة الصالحة أن تنظر إلي أبناء الأمة نظرة واحدة ليس فيها تمييز لفئة علي أخري، فإن مثلها كربّ الأسرة الذي يحتم عليه أن يعدل بين أفرادها، وإلاّ نشأ الأبناء علي الحقد والكراهية والرغبة في الانتقام من بعضهم للبعض الآخر، كما حدث فعلًا في سوريا والعراق، فإذا سارت القيادة في طريقها علي هذا النحو فهي جديرة بأن تتولي قيادة الإصلاح.

والقيادة الصالحة تأخذ بمبدأ مشاورة أهل الرأي، إذ قد هلك من ركب متن الشطط واستبدّ برأيه.

وهذه القيادة الرشيدة لكي تحقق الاستقرار في بلدها، لابد أن تضع الأشخاص بحسب مؤهلاتهم وحسن استقامتهم في المواضع التي هم جديرون بتحمل أعبائها غير ملتفتة إلي عوامل المحسوبية والقربي والانحياز، وإلي تمكين الأشخاص علي أساس من الحزبية، وأن تذكر قول الرسول حين تعيين الوزراء والموظفين: «من ولي من أمر المسلمين شيئًا فأمّر عليهم أحدًا محاباة فعليه لعنة الله».

ولابد أن يكون لها إلمام تام بنفسية أبناء الأمة، والتحسس بآلامهم وآمالهم، واحترام كبيرهم، والحنو علي صغيرهم.

فالارتباط الروحي أمر ضروري بين القيادة الصالحة وأبناء الشعب، إذ بغيره تكون الهوة سحيقة لا يعلم مدي غورها إلا الله تعالي.

والقيادة الصالحة تسهر علي راحة الرعية إذا نام الناس، فهي تعمل دائبة علي تأمين احتياجات أبناء الأمة وتوفير الحياة الطيبة لهم، ولما كان كل فرد ميسرًا لما خلق له، لذا فإنها تعني عناية كبيرة في الاستفادة من جهود كافة أبناء الأمة بحسب مؤهلاتهم، وتعلم جيدًا بأن عدم الاستفادة من جهود الفرد تعطيل لقوى الأمة وحرمانها من شيء هي بحاجة إليه.

ثم إنها تبذل غاية جهدها للاستفادة من الكنوز الطبيعية المدخرة التي أفاء الله بها علي الأمة فتستفيد من جزء مناسب منها، وعلي القيادة الالتزام بالقدرة الفائقة والاستعداد التام في العلوم والصناعة والتجارة وفن الحرب، وأن تستغني عن الغرب في كل مرفق من مرافق الحياة وفي كل حاجة من الحاجات، تقوت، وتكسو أبنائها، وتصنع سلاحها، وتنظم شؤون حياتها، وتدير حكوماتها برجالها ومالها، وتمخر بحار المحيط بسفنها وأساطيلها، وتحارب العدو ببوارجها و دباباتها وأسلحة بلادها، وتزيد صادرات بلادها علي وارداتها، ولا تحتاج إلي الاستدانة من الغرب، ولا تضطر إلي أن تلجأ إلي راية من راياته، وتنضم إلي معسكر من معسكراته.

وأما في الحقل الخارجي فتكون نظرة القيادة الصالحة لدول العالم بمنظارين:

  • دول العالم الإسلامي
  • الدول الأخري

والأمر يتحتم علي القيادة الصالحة أن تقف إلي جانب دول الفريق الأول الموقف الذي يريده الله، وتحتمه الأخوة في الدين، فهي تقف إلي جانب مشكلاتهم الخاصة، تنتصر لهم إذا ما ظلموا وأصابهم الضرر، حيث إن النبي H قال: «أنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، قيل: كيف أنصر ظالمًا؟ قال: تحجزه عن الظلم، فإن ذلك نصره».

والقيادة الصالحة تبتعد بهذا عن المواقف السلبية التي مرت بإخواننا المسلمين في الحبشة ونيجيريا وقبرص وباكستان ومصر وأفغانستان وسوريا والعراق وغيرها من بلاد العالم الإسلامي.

أما الفريق الثاني من الدول غير الإسلامية فالقيادة الصالحة تنظر إلي دول هذا الفريق بحسب موقفه منها، فتقاطع كل من ينحاز بكليته إلي الأعداء ويغتنم كل فرصة لدعم جانبهم وتأييد موقفهم.

وتقف لهم بالمرصاد ومن ثم تخذلهم في كل موقف من المواقف الدولية، والبعض من هذه الدول قد يقف موقف المتفرج من قضايا المسلمين لعدم تبين مشروعية حقهم لهم وما يطالبون به، فالقيادة تعمل علي شرح وجهة نظرها بكل السبل الكفيلة التي تؤمن رفع الغشاوة عن أعين هؤلاء لضمان كسبهم إلي جانب دول العالم الإسلامي.

والقسم الأخير من هذه الدول يقف إلي جانب البعض من قضايا المسلمين وينتصر لها في المحافل الدولية، بل يدافع عنها.

والقيادة الصالحة تشكر لهذه الدول موقفها وتقابل ذلك بالمثل متي سنحت الفرصة.

فما أحوج المسلمين اليوم إلي من يمسك ويأخذ بالراية من بين صفوفهم ويرفعها عالية خفاقة، فيكون مدعاة لتأمين الاستقرار في بلاده وتحقيق الحياة الفاضلة لها، ويكون ذلك بتحكيم أمر الله، واحتضان الدعوة الإسلامية من جديد، وتفاني الأمة في سبيلها والجهاد فيها، والمسلمون في سائر أقطار الدنيا يتطلعون إلي ذلك اليوم الذي يظهر فيه هذا القائد، وعسي أن يكون قريبًا. وما ذلك علي الله بعزيز.

 

التعليقات مغلقة.