الدعوة الإسلامية في طريقها إلى النصر

أ. افتخار الحسن الندوي

لقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عنتخلُّف المسلمين وعدم مسايرتهم مع ركب التقدّم الحضاري والمادي، وازداد كذلك الحوار والبحث عن السبب الذي ساقهم إلى هذا التدهور المشين بشأنهم والانحطاط المزري بكرامتهم وسمعتهم، وكان من مثار الخفة والعار أن أعداء الإسلام أذاعوا هذه الأحاديث بكل ما لديهم من وسائل الإعلام والإبلاغ حتى أصبح مشهورًا في آفاق الدنيا كلها أن المسلمين متخلّفون، وأن السبب في ذلك يرجع إلى الإسلام الذي لا يسمح لهم بالدخول في مضمار الحياة المعاصرة إلّا بالتزام ما توحيه نفس الديانة وما تملي عليه روح الأمانة وما يرشد إليه تقوى القلب.

والحق أن هذه القضية ــ أي قضية تخلُّف المسلمين ــ مما لا أصل لها، وهى لا تمس من الحق بشيء، فليس هو إلّاافتراء كاذب واتهام باطل اختلقها أعداء الإسلام، وفي مقدمتهم اليهود، وذلك لأن الإسلام كان ولا يزال مصدر كل خير وسعادة، وهو بطبيعته يريد أن يعيد إلى الإنسان أمنه وسلامه حتى يقوم بعبادة الله وإطاعة أحكامه بكل يسر وسهولة،وينير الطريق أمامه حتى يعرف الحق مَنْ جَهِله ويرعوى عن الغيِّ مَنْ لجّ به.

وعلى العكس من ذلك كان اليهود مصدر كل شر وشقاوة، والتاريخ شاهد عدل على أنهم كانوا وراء كل فتنة رفعت رأسها في أي بقعة من بقاع الأرض، فإنهم جُبِلوا على المكر والدهاء والخديعة، وكان الغدر والمراء من طبائعهم، لم يحلّوا في بلد إلّا وتحوّلوا فيه إلى عناصر شغب و تخريب. فكلّما أوقدوا نار الفتنة والبلاء أطفأها الإسلام، وكلّما قادوا العالم إلى الدمار قام الإسلام بمقاومتهم وحاول إنقاذه من هوة الدمار.

فلما رأوا ذلك سعوا لمكافحة الإسلام، وشمّروا عن ساق الجد لإماتته وإبادة أهله، لكن ذلك لن يكون ولا يمكن أن يكون، فإن الإسلام هو الإسلام مصدر كل قوة وعزم، ومنطلق ثبات وصمود، ومبدأ سعادة وخير، يشق طريقه في الصعاب، ويميل إليه القلوب بفضل تعاليمه السنية، ولو حال دونه سد منيع من العوائق.أسوق هنا مثالًا لهيام الإنسان بالإسلام لاهيام أحواله الهيمان فحسب، بل ملأ فؤاده سيل عارم إلى دين الله الخالد، وحنان مفيض على قبوله واعتناقه،كما يتضح ذلك مما كتبه الشيخ الطنطاوي في مذكراته.

«سكن داعية مسلم شهير مدينة ميونخ بألمانيا، وعند مدخل المدينة توجد لوحة إعلانية مكتوب عليها بالألمانية:أنت لا تعرفكفرات بوكوهاما، فنصب هذا الداعية لوحة كبرى بجانب هذه اللوحة وكتب عليها: أنت لا تعرف الإسلام، وإن أردت معرفته فاتصل بنا على هاتف كذا وكذا.وانهالت عليه الاتصالات من الألمان من كل حدب وصوب حتى أسلم على يده في سنة واحدة قرابة مائة ألف ألماني ما بين رجل وامرأة، وأقام مسجدًا ومركزًا اسلاميًا ودارًا للتعليم».

هذا مثال واحد من الأمثلة الكثيرة التي تفوق الإحصاء والتعديد، ويدلّ على أن البشرية حائرة وبحاجة ماسة الى الإسلام ليرد إليها أمنها وسكينتها وطمأنينتها، وازدياد إقبال الناس على دين الإسلام يومًا بعد يوم في جميع أنحاء المعمورة إنما يشير إلى أن الإسلام سيكون قوة الغد العالمية، لا يساورني فيه أدنى شك، وقد بدت في الأفق بوادر تغيّر يلوح فيه بريق الأمل، وإن شاء الله يكون ذلك فاتحة عصر ذهبي جديد للإسلام والمسلمين.

وهنا لا ينبغي الإغماض عن واقع المسلمين الديني الحاضر، فإن بعض قصار النظر منا يلحقهم اليأس من سوء حالهم، فزعموا أن الإسلام في أخطار مُـحدِقة، ولا يستأهل الآن أن يلعب دوره في جمع وبناء الشعب المنقسم إلى فئات وأحزاب متصارعة تقدم بعضهم بعضًا حنطة لرحاه.

هؤلاء هم الذين درسوا في الكليات العصرية و تخرّجوا منها، وتثقّفوا بالثقافة الغربية،فينظرون إلى الإسلام نظرتهم كأجنبي، ولا يعرفون عن حقيقة الإسلام بأنه دعوة إلهية ربانية، أرسلها ربُّنا من فوق سبع سماوات إلى رسولنا الكريمﷺ، ليُظهره على الدين كله. فالاعتلاء من طبيعة هذا الدين، لابد له أن يعلو ويظهر مهما كانت الظروفُ قاسيةً والأزماتُ معقدةً. وقد منى الإسلام قبل ذلك بمصائب كانت أشد مما ابتلي بها اليوم، ورأى أيامًا أشد منها سوادًا، قامت في وجهه مصاعب فكرية ومادية، لكنه واصل خطاه إلى التقدّم، ولم يقف سيره للحظة ما، ولو أن اليهود حاولوا ثم حاولوا نشر أحابيل المكر السيئ والدهاء الخبيث في طريقه، ولو أنهم تتابعوا الحملات عليه وعلى البلاد الإسلامية، تأتيه من كل صوب وتهاجمه من كل ناحية، من ناحية الأخلاق بنشر الفسوق والخمور، وتهوين أمر العرض بنشر أدب الشهوة وصور العراة، ومن ناحية العقائد بإدخال الشكوك عليها ووضع الشبه من حولها، ومن ناحية العلم بإبعاد الناشئين عن العلوم الإسلامية.

 

ومع كل هذا وذاك، ماذا حصلوا عليه؟ هل اندثر الإسلام؟وهل قلّ عدد المسلمين الذين يردّدون كلمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله ﷺ؟ هل انتقص عدد المدارس والجامعات الإسلامية والمساجد ودور التبليغ؟ لم يكن شيء من ذلك كله،إن أعداء الإسلام والمسلمين حشدوا كل طاقاتهم، وبذلوا أكثر ميزانياتهم السنوية لينالوا من الإسلام منالًا، لكنهم عادوا بالهزيمة والفشل، نادمين بنقص الثروات وخسران الأموال، متأسفين محزونين.

ويجدر بنا الاعتراف بأن الحضارة الغربية تتفوّق على الحضارة الإسلامية بالقوة العسكرية وبالقوة النووية، لكن هذا التفوق لا يضرّنا الآن بشيء، لأن العدو أدرك أخيرًا أن القوة العسكرية لا تستطيع أن تحرز نصرًا عسكريًا على المقاومة الإسلامية،ولا تتمكن من القضاءعليها.انظر إلى حماس (حركة المقاومة الإسلامية)في فلسطين التى يقودهاإسماعيل هنية، تراها إسرائيل شوكة في جنبها لا تدعها تهدأ أو تغمض عينيها مما جعلها تعتقد اعتقادًا جازمًا بأن القوة العسكرية ليست الوسيلة الناجحة لإخضاع العالم الإسلامي، لأنه رأى أن المسلمين يخوضون المعركة غير متسلحين، ويصنعون من المعجزات ما تحيّر العقول، ولا تقدر عليه الجنود المجهزة بالأسلحة المتطورة، وأدرك أن مصدر قوتهم هو الإيمان. وإن شئت أن تسبر غور هذه القوة ومدى ما يعود إليه أمرها فانظر إلى عهد التميمي، فو الله منذ أن رأيت صورتها في جريدة «المجتمع» الكويتية لا تبارح ذاكرتي، فتاة فلسطينية، البالغة من عمرها ثماني عشرة سنة، رابطة الجأش، ثائرة القلب، صفر اليد، تتضوم غيظًا وثورةً، وتلطم على وجه أحد من الجنود الإسرائيليّة المجهزة بالأسلحة المتطورة الحديثة، وهو مشدوه مبهوت لا يتحرك من مكانه، رأيتها تلطم بجرأة إيمانية فائقة فزادتني إيمانًا، ورأيت قلبي يهتف: ألا إن نصر الله قريب، ألا إن نصر الله قريب.

التفوق العسكري لا يجدي بشيءإذا لم يكن الإيمان قويًّا،الق نظرة خاطفة على المعارك التي خاضها المسلمون الأولون، لم تجد المسلمين إلّا أقل من عدوهم عتادًا وعددًا، ومع ذلك انتصروا. فبم انتصروا؟ بقوة الإيمان.لقد كان قواد الروم والفرس ممن درسوا فنون الحرب وتاريخ المعارك وسِيَرَ الأبطال، لكن خالد بطل اليرموك وسعد بطل القادسية وابن العاص وعقبة وموسى وطارق والمهلب في أي كلية عسكرية درسوا فنون الحرب!؟

التفوق العسكري ليس بضروري للانتصار في المعركة، فإن كان المسلمون اليوم في حالة يتفوّق عليهم عدوهم في الأسلحة فهذا لا يضرّهم إن كان الإيمان راسخًا في قلوبهم.

ويرجى أن هذا التفوق أيضًا سوف يتحول إلى معسكر الإسلام، لأن البلاد الإسلامية تملك ثروات ضخمة، وكذلك تملك في باطن أرضها من مواد خام، وعدد سكانها يزداد مطردًا ما يجعلهم قادرين على بناء قوة صناعية تضارع أقوى الصناعات العالمية.

هذه الملاحظات تجعلنا نفكر حقًّا أن الدعوة الإسلامية قطعت شوطًا بعيدًا من مراحلها، وسوف يتسنى له أن يحرز نصرًا مؤزّرًا في مقاومة اللادينية، بشرط أن يلتفت علماء الإسلام إلى ما يجب عليهم من حماية الدين والقيام بواجب الدفاع عن الأمة، ولن يتسنى ذلك إلّا إذا تسلحنا بجميع الأسلحة، وفي مقدمتها دراسة الشبهات التي يحرق بخورها أعداء الدين في كل مصر وغير مصر، فمن أوجب الواجبات على علماء الإسلام أن يردّوا الإسلام إلى حقيقته بتطهيره عن البدع والمنكرات، ويردّوا المسلمين إلى الإسلام.

وفّق الله المسلمين لما فيه مجدُ الإسلام وصلاحُ المسلمين وشوكةُ الأمة الإسلامية، وقدّر لهم توفيق الرجوع إلى الإسلام من جديد حتى يتّحدوا في وجوه الأعداء، وتفتح لهم أبواب السعادة، ويكونوا إمامًا وقدوةً للناس جميعًا.

 

التعليقات مغلقة.